بسم الله الرحمن الرحيم
"اللهم صل على محمد وآل محمد, وبلِّغ بإيماني أکمل الإيمان, واجعل يقيني أفضل اليقين, وأنته بنيَّتي إلى أحسن النيات, وإلى عملي أحسن الأعمال".
أهمية هذا الدعاء المبارک..
هذه هي الفقرات الأولى من دعاء مکارم الأخلاق الوارد في الصحيفة السجادية للإمام السجاد عليه أفضل الصلاة والسلام. ونود في هذه الجلسة، وفي الجلسات المقبلة -إن شاء الله تعالى-، أن نقف على بعض فقرات هذا الدعاء العالي في مضامينه، والجامع في معناه، وفي أثره. لمکارم الأخلاق ومحاسن السجايا والصفات هذا الدعاء المبارک، لو سعى کلُّ مؤمنٍ إلى تمثُّله، لارتقى إلى أعلى درجات الکمال، ولکان من أکثر المؤمنين شبهاً بأهل البيت -عليهم أفضل الصلاة والسلام-.
شرح الدعاء:
الفقرة الأولى: "وبلِّغ إيماني أکمل الإيمان".
مقدَّمة: الإيمان.. مراتب ودرجات
هنا يشير الإمام السجاد (علیه السلام) إلى أنَّ الإيمان ليس على مرتبةٍ واحدة، فقد يتصف الإنسان بالإيمان ولکنه قد يکون في أدنى مراتب الإيمان، فليس کلُّ من اتصف بالإيمان کان واجداً لکلِّ مراتب الإيمان. لذلک يظلُّ الإنسان المؤمن في سعيٍ دائم؛ من أجل أن يرقى مرتبةً بعد مرتبة. وقد يُفني عمره کلَّه ولا يتمکن من الوصول إلى أعلى مراتب الإيمان.
الحثّ على الإرتقاء..
ولهذا يستحثُّ الإمام السجاد (علیه السلام) المؤمنين على أن يکون شغلهم الشاغل، وهمُّهم الأکبر، هو الوصول لأعلى مراتب الإيمان، فلا ينبغي للمؤمن أن يقنع بما هو عليه من مرتبة إيمانية, بل يجب عليه أنْ يسعى، ويجاهد نفسه، ويستفرغ کلَّ ما في وسعه؛ من أجل أن يتخطَّى مراتب الإيمان، مرتبةً بعد مرتبة.
الارتقاء شاقّ والغفلة عنه ظلمٌ للنفس
يقول الله تعالى: ﴿إِنَّکَ کَادِحٌ إِلَى رَبِّکَ کَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾. لا يمکن للمؤمن أن يترقَّى وأن يتخطَّى المراتب -مرتبةً بعد أخرى- إلَّا بالکدح، والعناء، والمجهادة، والمثابرة.. وعندما يغفل عن نفسه فإنَّه تمضي عليه السنون, فيبلغ من العمر الأربعين والخمسين، وإيمانه لم يزد على ما کان عليه في زمن العشرين! هذا الإنسان قد هضم نفسه, هذا الإنسان قد ظلم نفسه، هذا الإنسان قد أجحف في حقِّ نفسه -کما أفاد أهل البيت (علیهم السلام): "من استوى يوماه فهو مغبون"-، فما بال من تساوت سنونه؟! العشر الأُولى کالعشر الثانية، والعقد الثالث کالعقد الرابع لم يزد في إيمانه شيء, ولم يتضاعف إيمانه -هذا إذا لم يتناقص؛ نتيجة الخطايا، والذنوب، والغفلة، والاشتغال بالدنيا-.
الهدف هو أعلى درجات الإيمان
الإمام السجاد (علیه السلام) يستحثُّ المؤمنين على أن يلتفتوا إلى أنَّ الإيمان ليس على درجة واحدة، وأنَّ على المؤمن أن يسعى جهده من أجل أن يبلغ درجات الإيمان العالية. قد لا يکون الإنسان قادرا على بلوغ أقصى مراتب الإيمان، بل قد لا يکون للإيمان مرتبة نهائية، فکلُّ مرتبة عالية فإنَّ فوقها مرتبة أعلى منها، يقول الإمام علي ابن أبي طالب (علیهم السلام): "ألا وإنکم لا تقدرون على ذلک ولکن أعينوني بورعٍ واجتهاد، وعفَّةٍ وسداد".
محاور الفقرة الأولى: هنا نود أن نتحدث عن محورين أساسيين لفهم هذه الفقرة من الدعاء،
الأول: هو معنى الإيمان، وعلامات المؤمن..
والثاني: بيان معنى الإيمان الکامل، فالإمام (ع) أفاد بأن ثمة إيماناً يُوصف بالأکمل فما هو هذا الإيمان الذي يصحُّ وصفه بالأکمل وما هي الصفات والأفعال التي إذا ما تمثَّلها أحد صحَّ وصف إيمانه بأکمل الإيمان؟ هذا ما سوف نتحدث عنه في المحور الثاني.
المحور الأول: معنى الإيمان، وعلامات المؤمن
أولاً: معنى الإيمان:
الإيمان -بمرتبته الدانية- يعني الإقرار بأصول العقيدة، والمراد من الإقرار هو الملازم للإذعان القلبي واليقين بصوابية وحقانية هذه الأصول والتي هي التوحيد لله تعالى والرسالة والمعاد والولاية.
فلا يصحُّ وصف أحدٍ بالإيمان إلَّا أن يکون مُقراًّ بالله ووحدانيته, ومُقراًّ بمحمد ورسالته, ومقراً بالمعاد ومُقراًّ بعليٍّ وولايته, ومُقراًّ بأهل بيته عليهم أفضل الصلاة والسلام. هذا هو أدنى مراتب الإيمان.
وهناک أمر آخرٌ إذا تمثَّله الإنسان کان في أدنى مراتب الإيمان، وهو الإلتزام بالطاعات: بالواجبات, بالصلاة والصيام, والزکاة والحج, وسائر الفرائض الإلهية. فإذا ما کان الإنسان واجداً لليقين بأصول العقيدة وممتثلاً لأصول الفرائض الإلهية فهو مؤمن.
ولکنه في المرتبة الأولى من الإيمان وثمَّة مراتب أخرى هي التي تُصحِّح وصف المؤمن بأنه قد بلغ أکمل الإيمان.
ثانياً: علامات المؤمن:
طبعا، الإقرار بالشهادتين، وبالولاية، له علامات. بتعبير آخر: الإيمان -في أدنى مراتبه- له علامات. وهذا ما نودُّ أن نشير إليه ونتحدث عنه: ما هي علامات المؤمن؟
*العلامة المائزة..
أول علامة للمؤمن: هي الولاية لعلي بن أبي طالب (علیهما السلام). فليس من أحدٍ يدَّعي الإيمان وهو ينکر الولاية -ولو صام وصلى-, فلو صام دهره، وقام ليله، وأنفق کلَّ ما عنده، وقضى حوائج المؤمنين، وسعى في الناس بالخير والصلاح، ثم کان قلبه خالياً من عشق عليٍّ (علیه السلام), ومن الولاية لعليٍّ, ومن الإيمان بأحقِّية عليّ, فلا حظَّ له من الإيمان -هکذا أکَّد أهل البيت (علیهم السلام), وهکذا أکَّد رسول الله (صلی الله علیه و اله)-، فلا يذوق أحدٌ حلاوة الإيمان وليس قد ذاق حُبَّ عليّ. فأول علامة للمؤمن هو حبُّ عليّ, والولاية لعلي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
يقول الإمام علي ابن أبي طالب (علیهما السلام): "والله، لو صببتُ الدنيا على المنافق صباًّ ما أحبَّني"، المنافق محروم، "ولو ضربت بسيفي هذا خيشوم المؤمن لأحبَّني"، يعني لو ضربته على وجهه بسيفي لبقي متمسِّکا بحبِّي, وعاشقا ومواليا لي، "ولو ضربت بسيفي هذا خيشوم المؤمن لأحبَّني؛ وذلک لأني سمعت رسول الله (صلی الله علیه و اله) يقول: يا عليّ لا يُحبُّک إلَّا مؤمن، ولا يبغضک إلَّا منافق".
ويقول الرسول (صلی الله علیه و اله) :"حب عليٍّ إيمان وبغضه نفاق"
النفاق والإيمان طرفا نقيض، والفيصل بينهما هو حبُّ عليّ. ألم تسمع أنَّ علياًّ هو قسيم النار والجنة -کما ورد في الرواية-؟ ما معنى أنه قسيم النار والجنة؟ أحد معاني هذه الرواية الشريفة أنه بعليٍّ يمتاز أهل النار عن أهل الجنة, فمن أحبَّه کان من أهل الجنة, وکان من أهل الإيمان والرضوان.. ومن خلا قلبُه من حُبَّه فهو ليس من أهل الإيمان. يقول رسول الله (صلی الله علیه و اله) :"عنوان صحيفة المؤمن حبُّ علي بن أبي طالب". وورد عن ابن عباس في قوله تعالى: "﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ قال: حب علي بن أبي طالب في قلب کل مؤمن"
*العلامات الأخرى.. هناک صفة أخرى وعلامة أخرى للمؤمن، سیاتی ان شاء الله تعالی
بستن *نام و نام خانوادگی * پست الکترونیک * متن پیام |