شرح خطبه اول نماز جمعه مورخ10 خرداد 98

بسم الله الرحمن الرحيم

"اللهم صل على محمد وآله، وبلغ بإيماني أکمل الإيمان واجعل يقيني أفضل اليقين، وأنته بنيتي إلى أحسن النيات وبعملي إلى أحسن الأعمال.

کنا قد تحدثنا -في الجلسة السابقة- حول الفقرة الأولى من الفقرات الواردة في دعاء مکارم الأخلاق للإمام السجاد (علیه السلام).

فقد تحدثنا حول معنى الإيمان، ومراتبه، ثم حاولنا أن نلقي شيئاً من الضوء على معنى قول الإمام السجاد: "وبلِّغ بإيماني أکمل الإيمان". وذلک من خلال بيان المراد من أکمل الإيمان وکيف يتوفر الإنسان على هذه المرتبة السامية.

الفقرة الثانية: "واجعل يقيني أفضل اليقين"

ونتحدث -إن شاء الله تعالى- في هذه الجلسة حول الفقرة الثانية من دعائه (علیه السلام)، وهي قوله: "واجعل يقيني أفضل اليقين".

معنى اليقين:

ما هو المراد من اليقين الذي عبَّر عنه الإمام علي (علیه السلام) بأنه عماد الإيمان، وأنه ملاک الإيمان، وأنه الإيمان کله، وعبَّر عنه أيضا (علیه السلام) بأنه العبادة، وأنَّه ما عُبِد الله عز وجل بأفضل من اليقين.

فما هو المراد من اليقين؟.

اليقين -بحسب معناه العرفي-: هو عبارة عن البصيرة التامة، والرؤية الکاملة للشيء، والمنتجة للإطمئنان، وثبات القلب. فصاحب اليقين هو صاحب البصيرة، وصاحب اليقين هو صاحب الرؤية الثاقبة، وصاحب اليقين هو المُصدِّق والمذعن بالشيء. فأنْ أکون متيقنا بوجود النار -مثلا- فهذا معناه القطع، والإطمئنان، بأن النار موجودة، فلا ينتابني في ذلک ريب أو شک، ولو أقسم عندي ألفُ رجلٍ موثوق على أنها ليست موجودة لما صدقتهم؛ وذلک لأني أرى النار رأي عين.

لذلک عبَّرت الروايات في مقام تفسير اليقين بأنه المعاينة، أو ما ينتج عن المعاينة.. فقد لا يکون المتيقَّن به معايناً ومشاهَداً، ولکن اطمئنانه بوجود المتيقَّن کاطمئنان المعايِن والمشاهِد. لذلک لما سُئل أمير المؤمنين (علیه السلام): هل رأيت ربَّک؟، قال له: ويحک، وهل أعبد رباًّ لم أره؟! إنه لم تره العيون، ولکن رأته القلوب. فالقلب مطمئن، راسخ الثبات، ويقطع قطعا تاماًّ بوجود معبوده، ولا ينتابه شک أو ريب.. لذلک کان (علیه السلام) يقول: "لو کُشف لي الغطاء ما ازددت يقينا"، فسواءٌ عند علي بن أبي طالب أن يُعاين الجنة، أو لا يعاينها؛ فهو على يقين منها.. وسواء عاين النار، أم لم يعاينها؛ فهو على يقين بها. هذا هو معنى اليقين، فهو بصيرة بمستوى المعاينة ينتج عنه اطمئنان مستحکم في القلب بلا ريبة، ولا شکٍ، ولا تردد.

الفرق بين الإيمان واليقين:

الروايات الشريفات کثيراً ما تؤکد على أنَّ الإيمان ثابت في القلب عند أکثر الناس، وأما اليقين فإنه خطرات: يعني أنه قد ينتاب الإنسان اليقين إلا أنه يذهب ويزول ثم يعود وهکذا. فالإيمان يبقى، ولکن اليقين يتأرجح، فتارة يعتري القلب فيستضيء بنوره، ويُصبح -کما أفادت الروايات- کزبر الحديد، أي أنه إذا حصل اليقين في القلب، تصبح نية الإنسان وعقيدته صلبة کصلابة زبر الحديد. وإذا زال اليقين عن القلب، أصبح کالخِرقة البالية.

متعلقات اليقين:

اليقين له متعلَّقات کثيرة، منها: اليقين بالله، وبوجوده، وبوحدانيته، وبصفاته، وحسن أسمائه, ويقين بحکمة الله، وعدله, ويقين بصوابية تشريعاته, وأنه لا أکمل من شريعة الله, فهي الکاملة التامة، المناسبة -تمام التناسب- مع ما يُصلح الناس من أول يوم خلق الله الناس وشرَّع لهم الشرائع، إلى آخر يوم، فحلاله حلال إلى يوم القيامة, وحرامه حرام إلى يوم القيامة، فما من حلالٍ أحلَّه الله إلا والواقع يقتضي أن يُحِلَّه, وما من حرامٍ حرَّمه الله إلا والواقع يقتضي أن يُحرِّمه.

ثمة متعلَّق آخر لليقين: يقين برجال الله، والهداة والأدلاء على الله، وأنَّه ما من أحدٍ أکثر کفاءةً منهم، بعدما اختارهم الله وانتجبهم. فليس من أحدٍ قادر على أن ينوء بالثقل الذي ناء به الأنبياء، والرسل، والأئمة، بأفضل منهم.

أنت عندما تکون على يقين بذلک، فأنت على شُعبة من شُعب اليقين.

وثمة يقينٌ بصدق الوعد الإلهيّ، وأنَّ الله -عز وجل- إذا وعد عباده، بوعدٍ فإنه سيُنجزه.