بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمدٍ وآله، وبلِّغ بإيماني أکمل الإيمان واجعل يقيني أفضل اليقين، وأنتهِ بنيتي إلى أحسن النيَّات وبعملي إلى أحسن الأعمال.
الحديث حول هذه الفقرة من الدعاء الشريف سيکون في محورين: الأول: حول المعنى المراد من النية، وکيفية تصحيح النية، والثاني: حول المراد من "أحسن النيَّات".
المحور الأول: المراد من النية، وکيفية تصحيحها:
أولاً: معنى النية:
النيَّة من الأمور الجوانحيّة، النفسانية، ولا صلة لها بالجوارح والعمل. نعم، ينشأ العمل عن النية، فليس ثمَّة من عمل يصدر من عاقل -حال کونه ملتفتاً- إلا عن نية.
فالنية: هي القصد إلى الفعل. هذا هو المراد من النية.. فإذا قصد الإنسان الفعل، تولَّدت عنده إرادة إلى القيام بذلک الفعل، فإن لم يمنعه مانع من مزاولة ذلک العمل الذي قصده، أتى به بمقتضى النية التي نواها. إذن، نحن لا نتحدث عن لزوم تحصيل النية؛ لأنها حاصلة من الفاعل العاقل الملتفت على أيِّ حال.
فرق بين النائم وبين المستيقظ, وبين الغافل والملتفت, وبين العاقل وغير العاقل. فالملتفت العاقل إذا ما قام بعملٍ، فذلک ناشئ حتماً عن عزمٍ وقصد لذلک العمل، ولهذا تصحُّ محاسبته على ما فعل؛ لأنه صدر عنه حال کونه عاقلاً ملتفتاً.
وفرق بينه وبين غير العاقل, کالحيوانات, أو المجانين, أو غير الشاعر کالنائم, أو الغافل، فهؤلاء تصدر منهم الأفعال ولکن من غير قصد نظراً لکونهم فاقدين للإدراک، فقد يضربک النائم، وقد تراه يشرب الماء، وقد يأکل، وقد يمشي، ولکن عن غير وعي. لذلک هو غير قاصدٍ للفعل الذي يصدر عنه؛ لأنه غير شاعرٍ بما يفعل، فلا يُحاسب على فعله. وفرق بين العاقل وغير العاقل -کالحيوانات-، فغير العاقل يصدر منه الفعل، فقد يبطش، وقد يمشي، أو يأکل، أو يشرب، إلا أنه لا يعقل، فالأفعال تصدر عنه نتيجةَ غريزةٍ اقتضت صدور هذه الأفعال منه، لذلک فهو لا يُحاسب أيضاً. إذن، فالذي يُحاسَب على فعله هو الذي يتمکن من إدراک وقصد الفعل، والعزم عليه.
کيفية تصحيح النية:
قلنا أننا لا نريد أن نتحدث عن کيفية تحصيل النية؛ لأن ذلک من تحصيل الحاصل؛ حيث أنه ليس من عاقلٍ، ملتفت، شاعر، يقوم بفعلٍ إلَّا وهو قاصد له. إنما الکلام عن تصحيح النية وکيف تکون هذه النية سليمة، وفي المسار الصحيح:
*أن نقصد الخير..
هناک نيةٌ يمکن وصفها بالسوء، وهناک نيةُ خير، والذي ينبغي أن يکون عليه المؤمن هو أن تکون نيَّته دائما نيَّةَ خير. الإمام السجاد (علیه السلام) يدعو الله عز وجل -في هذه الفقرة من الدعاء- أن يجعل نيَّته نيَّة خير في کلِّ شيء.
هناک من يقوم بالفعل، ويقصد منه الکيد, أو يقصد منه الإساءة, أو الظلم, والبغي.. وهناک من يفعل الفعل، يقصد منه الإحسان, ويقصد منه قضاء حوائج الناس, هذه نيةُ خير. فالإمام (علیه السلام) يريد أن يحثُّنا من خلال هذه الفقرة من الدعاء على أن تکون نيَّاتنا دائماً في إتجاه الخير، فالمؤمن لا يقصد الشرور، ولا الإيذاء للناس, ولا يقصد الظلم، والکيد، والبغي على أحد، هذا أولاً.
*أن تقصد وجه الله تعالى..
وثانياً هو أنَّ الإنسان قد يقوم بالفعل الجميل، فقد يقضي حاجةً لمؤمن، وقد يصلِّي، وقد يصوم، وقد يُجاهد في سبيل الله، ويُنفق الصدقات على الفقراء، ويُشيِّد بيوت الله، وبيوت المؤمنين، وينصح، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنکر، ويفعل الکثير من الخيرات -هذا أحسنُ حالاً من ذلک الصنف الذي يقصد الشرور، ويفعل الشرور-, ولکنَّ هذا الإنسان الذي يفعل الخيرات قد لا يتحصَّل على ثواب هذه الخيرات، ولا يجد لها أثراً في الآخرة، فيکون مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا﴾، فيأتي ليجد صحيفته خالية بيضاء، ليس فيها أنه قضى حاجةً لمؤمن، أو أنه صلَّى لله، أو أنه صام، أو حجَّ، أو أمر بالمعروف، أوجاهد! فيقول: يا ربي، کنتُ قد فعلتُ وفعلتُ، فهل غفِلتْ الحفظةُ من الملائکة أن تکتب في صحيفتي هذه الأعمال الحسنة؟! فيُقال له: لا، لم تغفل، ولم تنس الحفظة، والملائکة التي تراقب أعمالک لا تغفل ولا تنسى, بل يکتبون کلَّ ما تفعل. ولکننا محوناها؛ لأنها لم تصدر عن نيَّة خير؛ فأنت إنما جاهدتَ ليُقال عنک شجاع, وأمرتَ بالمعروف ليقال عنک جريء, وتصدَّقت ليُقال أنک کريم سخي, وصلَّيت ليقال عنک أنک من المؤمنين، المقيمين للصلاة، المؤتين للزکاة. فعلت کلَّ ذلک للناس، فإذا أردتَ ثواباً فالتمسه مِمَّن فعلتَ لهم، "إنما الأعمال بالنيات، ولکلِّ امرأ ما نوى".
بستن *نام و نام خانوادگی * پست الکترونیک * متن پیام |