أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاکْفِنِي مَا يَشْغَلُنِي الاهْتِمَامُ بِهِ
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاکْفِني ما يَشْغَلُنِي الاهْتِمامُ بِهِ) کأمور المعاش وما أشبه کالنقال و الفضاء الافتراضي، وذلک حتى لا أشتغل بهذه الأمور فلا أتمکن من أداء حقک والقيام بأمرک، وحتى أکون کما قال تعالى: ﴿ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِکْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّکَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾
شرح هذه الفقرة:
من صفات أحباء الله الصالحين التي نستفيدها من هذا المقطع من الدعاء السجادي هي کونهم يوجهون کل أعمالهم باتجاه الغاية التي خلقهم الله عزوجل من أجلها.
وهذه الغاية کما بينتها لنا النصوص الشريفة هي بلوغ مراتب الکمال والقرب من الله عزوجل بمعرفته وطاعته والإستغناء به عما سواه،
فالصفة المحورية لعباد الله الصالحين هي استثمارهم لکل أوقات أيامهم في العمل بالطاعات والأعمال التي تقربهم من الله عزوجل وتوصلهم إلى الکمال الذي خلقهم الله عزوجل ليفوزوا ببرکاته.
ولذلک فإن من صفات الصالحين اجتنابهم الإهتمام بأي شيء يشغلهم عن الطاعات والأعمال الصالحة التي يتقربون بها الى ربهم عزوجل، فهم يطلبون من الله عزوجل أن يکفيهم هذه الأمور لکي لا ينشغلوا بها عن فعل الخير.
:. مسؤوليات الإنسان نوعان
هناک أمور ومسؤوليات يجب أن يقوم بها الفرد بنفسه، کالصلاة والصوم، فلا يمکن لشخص أن ينيب من يقوم بها عنه وهو حي.
وهناک أمور تجب على الفرد ولکن لا يشترط فيها أن يقوم بها بنفسه، بل يکفي منه أن يدفع لتحققها في الخارج، ونضرب لها مثالاً:
هب أن شخصاً قدم من بلاد نائية إلى الحوزة العلمية من أجل تلقي العلوم الدينية والحصول على الاجتهاد الفقهي مثلاً، ليوفَّق بعد سنوات لنشر الدين وخدمة المتدينين في بلده. وبينا هو منغمس في الدراسة ومترقب للامتحانات إذ يأتيه الخبر أن أباه قد ابتلي بمرض ما وأنه بحاجة ماسة إلى دواء يجب أن يبحث عنه مهما کلف الأمر ويوصله إليه بأسرع ما يمکن.
ههنا لا شک ولا شبهة أن هذا الأمر سيشغل بال هذا الطالب واهتمامه، لأنه أوجبُ عليه حتى من تحصيل العلم ومن کل العبادات، ولکن لا شک أيضاً أن المطلوب منه تحقيق الأمر وإيصال الدواء المعيّن إلى أبيه على أي نحو کان، حتى لو استأجر شخصاً أو التمس من صديق أن يقوم بذلک ولا يشترط أن يقوم الطالب بالبحث عن الدواء وحمله إلى بلاده وأبيه بنفسه.
في مثل هذه الحالة إذا کان الفرد حائراً لا يجد من يکلفه للقيام بهذه المهمة، فهو من جهة يشعر بأن ما عرض له هو أمر لابد من استجابته لأنه واجب عليه شرعاً وعرفاً وعقلاً وعاطفة، ومن جهة أخرى يرى أنه إن قام بالواجب بنفسه فسوف يتأخر عن دراسته ربما لمدة عام کامل.. وبينما هو مهتم ومنشغل في هذا الأمر ومتأثر لأنه سيتأخر عن دراسته، يتجه إلى الله تعالى فيقول: إلهي أنت أدرى بنيتي وبحالي فاکفني هذا الأمر الذي يشغلني الاهتمام به عن أمر هو الآخر محبوب لديک وهو تلقي العلم الديني الذي قطعت من أجله کل هذه المسافات، فقيض لي من يکفني أمر الدواء حتى لا أنشغل بسببه عن دراستي.
فقد يتفق أن يلاقى شخصاً من أبناء منطقته قد حجز تذکرة السفر ولم يبق له من الوقت سوى ساعتين، فيوافق على إيصال الدواء، وقد يغفل لحظة فلا يراه وهو يمر من أمامه فيضطر لأن يقوم هو بالمهمة، ويتأخر عن درسه وتحصيله، والأمر في الحالين متعلق بإرادة الله تعالى، ولذلک ينبغي للإنسان أن يتوجه بالدعاء إلى الله تعالى في مثل هذه الحالات، وما أکثرها في الحياة وفي مختلف المجالات العائلية والفردية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والصحية والنفسية، فإن الإنسان - کل إنسان - مبتلى طيلة حياته بطريقين - في الغالب - بينهما تزاحم وکلاهما مهمان ولکن أحدهما على النحو الأول أي الذي لابد من أن يقوم الشخص بنفسه به کالدراسة وطلب العلم، (فهل يمکن أن تنيب شخصاً في الدراسة عنک ثم تصير عالماً؟ لا يمکن هذا بالطبع)، ولکن هناک أمور يمکن لشخص آخر أن يقوم بها بالوکالة.
وبما أن الله تعالى مسبب الأسباب، يطلب منه الإمام سلام الله عليه أن يکفيه الأمر الذي يشغله بأي نحو شاء، حتی يتفرغ هو للأمور الضرورية التي لابد من قيامه بشخصه بها، ولا يبقى منشغلاً عنها بالأمور التي يمکن لغيره أن يقوم بها، فضلاً عن الأمور التي لم يُخلق من أجلها ولا يُسأل عنها يوم القيامة.
بستن *نام و نام خانوادگی * پست الکترونیک * متن پیام |