واجعل طـاعتي لوالدي وبري بهما أقرّ لعيني من رقدة الوسنان، وأثلج لصدري من شربة الظمآن، حتى أوثـر على هواي هواهما، وأقدّم على رضاي رضاهما، وأستکثر برهما بي وإن قـل، واستقل بري بهما وإن کثر،
کان کلامنا حول بعض الواجبات التی علینا تجاه الوالدین نصل الی الواجب الرابع من الواجبات
و هی الطاعة، وهی مقرونة بطاعة اللَّه سبحانه وفی الحدیث عن النبی صلى الله علیه وآله وسلم:
"رضا الرب فی رضا الوالد وسخط الرب فی سخط الوالد"
لذا نصل الی هذه الفقره فی الصحیفة السجادیة (واجعل طاعتی لوالدی وبری بهما أقرّ لعینی من رقدة الوسنان واثلج لصدری من شربة الظمآن)
في هذا المقطع إشارات منه سلام الله عليه إلى الجانب العملي في برّ الوالدين، وهنا وقفات على بعض هذه الإشارات:
- طاعة الوالدين:
أکّد الإمام (عليه السلام) في هذا المقطع على طاعة الوالدين، ولکن ليست تلک الطاعة
التي قد تکون على مضض وتثاقل، بل طلب الإمامُ صلوات الله عليه من ربّه تعالى أن يجعل طاعته لوالديه أقرّ لعينه قال: أقرّ لعيني من رقدة الوسنان، وأثلج لصدري من شربة الظمآن
قرّ عينه إذا فرح وذلک لأن الفرح تقر عينه ولا تتحرک هنا وهناک لتجد الملجأ کما في الإنسان الخائف
من رقدة الوسنان، والرقدة النوم، والوسنان الشديد النعاس الذي تهفو نفسه إلى النوم
وأثلج لصدره من شربة الظمآن. فإن الظامئ الشديد العطش إذا شرب الماء البارد ارتاح وثلج صدره
فيظهر من هذا الکلام أنّ الطاعة للوالدين لا بدّ من أن تصل إلى هذا المستوى من التفاعل النّفسي، فقد يکون شخص مطيعاً لوالديه من النّاحية العمليّة، ولکن عنده تثاقل نفسي من ذلک. حتى أوثـر على هواي هواهما وأقدّم على رضاي رضاهما
- تقديم هوى الوالدين على هوى النّفس
فأترک ما أحب لأجل الإتيان بما يحبان
مما يشير إلى عظم حقّ الوالدين، ولکن هذا لا يعني أن يقدّم هواهما حتى على إرادة الله تعالى، وهذا مما لا شکّ فيه من باب أنّه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، بل الکلام يکون عندما تکون کلا الإرادتين والرغبتين لا تتنافيان مع حکم إلزامي في الإسلام، فعند ذلک يقدم الابن إرادة والديه على إرادته ورغبتهما على رغبته.
سلک معظم الأدعية الواردة عن أهل البيت عليهم السـلام مسلک الهداية والتوجيه والتربية والتعليم، ومنها هذا الدعاء، الذي يفصّل فيه الإمام السجاد عليه السلام بعض أوجه معاملة الولد لوالديه، وما يلزمه أن يأخذ به في مصاحبتهما ومعاشرتهما، وأبـرز مـا في هـذا النـص الشـريف هو أن يؤثر الولد رغبة والديه ورضاهما على رغبة نفسه ورضاها، ولا يستکثر ما يقدمه في سبيل برهما وخدمتهما مهما عظم في ظـاهره، بل يعدّه قليلاً في جنب فـرضهما عليه، غيرَ واف بـما لهـما من حق لديه.
وقيل للإمام زين العابدين عليه السلام: أنت أبرّ الناس، ولا نراک تُواکل أمّک، قال: "أخاف أن أمدّ يدي إلى شيء، وقد سبقت عينها عليه، فأکون قد عققتها" وأستکثر برهما بي وإن قـل، واستقل بري بهما وإن کثر
- استکثار قليل إحسان الوالدين، وتقليل کثير برّ الابن:
(واستکثر برّهما بي وإن قل) أي: اجعله کثيراً في نظري وإن کان في الواقع قليلاً (واستقل برِّي بهما) أي: اجعله في نظري قليلاً (وإن کثر) في الواقع
من الأمور المطلوبة من الإنسان أن يستکثر خير الآخرين، ويتأکد هذا الأمر بالنسبة إلى الوالدين، ومن مميّزات إحسان الوالدين للابن -وإن قلّ- أنّه يأتي ابتداءً وليس من باب ردّ الجميل، أمّا إحسان الابن لوالديه فمهما کان کثيراً فإنّه يکون من باب ردّ الجميل، ولا شکّ في أنّ الابتداء بالإحسان أعظم
بستن *نام و نام خانوادگی * پست الکترونیک * متن پیام |