حديث حول التوفيق الإلهيّ
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وخاتم النبيين، حبيب إله العالمين، أبي القاسم محمد، وعلى آله الأخيار الأبرار، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم، وأکرمنا بنور الفهم، وافتح علينا أبواب رحمتک، وانشر علينا خزائن علومک.
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا تَوْفِيقَ الطَّاعَةِ وَ بُعْدَ الْمَعْصِيَةِ وَ صِدْقَ النِّيَّةِ وَ عِرْفَانَ الْحُرْمَةِ وَ أَکْرِمْنَا بِالهُدَى وَ الاسْتِقَامَةِقبل الخوض فی شرح هذه الدعاء لاباس بالاشاره الی مباحث المهدویه فلسفه غیبة الامام الحجة عجل الله تعالی فرجه فی نصوص اهل البیت علیهم السلامالاول: امتحان الناسقَالَ الْحُسَیْنُ بْنُ عَلِیٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِمَا: لَهُ غَیْبَةٌ یَرْتَدُّ فِیهَا أَقْوَامٌ وَ یَثْبُتُ عَلَى الدِّینِ فِیهَا آخَرُونَ فَیُؤْذَوْنَ وَ یُقَالُ لَهُمْ {مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ (ملک25)}أَمَا إِنَّ الصَّابِرَ فِی غَیْبَتِهِ عَلَى الْأَذَى وَ التَّکْذِیبِ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِ بِالسَّیْفِ بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللَّهِ صل الله علیه وآله.بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج51، ص: 133
جاء في تعريف التوفيق أنه الوصول إلى ما ينويه الإنسان ويطلبه. وبعبارة أدقّ، قيل إنّ التوفيق هو جعل الأسباب متوافقة في الأداء إلى المطلوب فيما يخصّ الخير، إذ لا يطلق معنى التوفيق على من يبلغ الغاية الشريرة. فإذا کان المطلوب خيرًا، وسلک الإنسان الأسباب إليه، حتى بلغ ما يريد من أمور الخير، فذلک هو التوفيق بعينه، من هنا فالتوفيق من الله هو توجيه الأسباب نحو مطلوب الخير.
لا غنى للمؤمن عن التوفيق
يقول الإمام عليه السلام: (المؤمن يحتاج إلى توفيقٍ من الله، وواعظٍ من نفسه، وقَبولٍ ممن ينصحه)(1).
ثلاث خصال لا يستغني عنها مؤمن- مهما کان موقعه، ومهما کانت مرتبته، فهو غير مستغنٍ عن هذه الخصال الثلاث-: أن يوفقه الله -عز وجل-، وأن يکون له واعظٌ من نفسه، فيستشعر الذنب ويؤنِّب نفسه على ارتکابه، ويتأمَّل، ويتأَد، ويتأنَّى کلما خشي أن يقع في محذور، ثم إنَّ له ناصحاً ينصحه فيقبل نصيحته.
لماذا لا يستغني الإنسان عن التوفيق؟
نقف أولاً على الفقرة الأولى من کلام الإمام -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-، وهي التوفيق.
کيف يحتاج الانسان إلى التوفيق، ولا يمکن أن يستغني عنه؟ ذلک يُعرف بعد معرفة معنى التوفيق.
الجواب يکمن في معرفة معنى التوفيق
التوفيق: يُطلق في مقابل الخذلان، والمراد من الخذلان: هو عدم النُّصرة، وعدم الإعانة، وذلک حين يُترک الإنسان وشأنه. فأنْ تخذلَ أخاک، فهذا لا يعني أن تَضرَّه، وإنما أن تترکه وشأنه في ظرفٍ هو بحاجةٍ إليک، فهذا هو الخذلان.
الخذلان: أن يترکک الله وشأنک. والتوفيق: هو ما يقابله، وهو أن يُعينک على ما تقصد، ويعينک على ما ترغب، ويعينک على الوصول إلى ما فيه صلاحک، هذا هو التوفيق.
کثيرٌ من الناس يتوهَّم أنه مهديٌّ برشده وعقله، أو أنَّه إنَّما حصل على هذا المال بجهده وعنائه وکدِّه وکدحه، وأنَّه إنَّما وصل إلى هذا الموقع لأنه قد بذل ما حقق الوصول إليه، أو إنه إنما أصبح عابداً کثير الصلاة، لأنه أهلٌ لذلک! ويغفل کلُّ هؤلاء عن أنه لا يتيسر ذلک للإنسان إلَّا بعونٍ من الله -عز اسمه وتقدس-.
إنّ التوفيق في بلوغ الغايات يتطلب توفّر العديد من العوامل المساعدة.
النیة الصالحه
فالعامل الأول وفقًا للنصوص الدينية؛
هو توفر النيّة الحسنة، فعندما ينوي المرء الإقدام على أمرٍ من أمور الدنيا أو الدين، فينبغي عندها أن ينطلق من نية حسنة غايتها الخير. من هنا تؤکّد النصوص على أنّ حسن النية هو من عوامل التوفيق. وعلى النقيض من ذلک، عندما يهمّ المرء بعمل شيءٍ لمجرّد النکاية بأحد، أو تلبية لغريزة أو شهوة غير مناسبة، فهذه النية ليست نية حسنة بأيِّ حالٍ من الأحوال. إنّ النية الحسنة ولا شک من أسباب التوفيق، وقد ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قوله:
«مَنْ حَسُنَتْ نِيَّتُهُ أَمَدَّهُ التَّوْفِيْقُ»، وجاء عن الإمام الصادق: «
إِنَّمَا قَدَّرَ اللهُ عَوْنَ العِبَادِ عَلَى قَدْرِ نِيَّاتِهِمْ، فَمْنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ تَمَّ عَوْنُ اللهِ لَهُ». من هنا ينبغي للمرء دائمًا وأبدًا أنْ ينطلق من النّيات الحسنة.
عن علي بن الحسين عليه السلام قال
: «لا عمل إلا بنية»
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «
إن الله يحشر الناس على نياتهم يوم القيامة»
عن أبي ذرعن رسول الله في وصيته له قال:
«يا أبا ذر ليکن لک في کل شئ نية، حتى في النوم والاکل» الجدّ والاجتهاد
أما العامل الثاني من عوامل التوفيق في تحقيق الغايات،
فهو الجدّ والاجتهاد. فإذا أراد المرء أن يکون موفّقًا في عمله، فعليه بالجدّ والاجتهاد، فقد ورد عن الإمام عليّ بن موسى الرضا قوله:
«مَنْ سَأَلَ اللهَ التَّوْفِيْقَ وَلَمْ يَجْتَهِدْ فَقَدْ اسْتَهْزَأَ بِنَفْسِهِ»، فانعدام الجدّية في نظر الإمام استهزاء بالنفس قبل أيّ شيءٍ آخر، لذلک ينبغي التزام الجدّ في أن يسلک الإنسان کلّ الأسباب التي يمکن أن تؤدي به إلى تحقيق غاياته.
الاستعانة بالله
ثالث العوامل المهمة والأساسية التي تبعث على التوفيق، هي الاستعانة بالله سبحانه وتعالى، والرغبة إليه، في التوفيق. فالإنسان مدعو للطلب من خالقه التوفيق في کلّ عمل يقصده ويتطلع إلى تحقيقه، وأنْ يشعر قلبه بهذه الرغبة. إنّ من الخطأ الغفلة عن الاستعانة بالله سبحانه، تحت وَهْمِ الاتّکال الکلّي على النفس في ترتيب الأمور والاستعداد لها، وکم من واحدٍ رتَب أموره، إلّا أن غياب التوفيق ذهب بکلّ ترتيباته أدراج الرياح. ذلک أنّ الله سبحانه هو المهيمن على کلّ شيءٍ، فالحري بالمرء أن يسأل خالقه التوفيق والتيسير له في کلّ الأمور، حتى وإن کان قد رتب کلّ أموره، وأخذ کلّ استعداداته. يقول الإمام علي في هذا الشّأن:
«التَّوْفِيْقُ عِنَايَةُ الرَّحْمَنِ»، وفي وصيته لابنه الإمام الحسن:
«وَابْدَأْ قَبْلَ نَظَرِکَ فِي ذَلِکَ بِالاسْتِعَانَةِ بِإِلَهِکَ وَالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ فِي تَوْفِيْقِکَ» العامل الرابع: التقوى والايمان،{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَکَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَکِنْ کَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا کَانُوا يَکْسِبُونَ} العامل الخامس: کثرة الدعاء الى الله بتوفيق الطاعة :
اللهم ارزقنا توفيق الطاعة وبعد المعصية والاعتراف بالضعف امام الله تعالى ،عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام،
قال سألته عن معنى ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) فقال : معناه لا حول لنا عن معصية الله إلا بعون الله، ولا قوة لنا على طاعة الله إلا بتوفيق الله عز وجل .
العامل السادس: الاستغفار الدائم
کما کان رسول الله واهل البيت يستغفرون .وافضل استغفار هو الوارد عن الصادق عليه السلام : استغفر الله الذي لا اله الا هو الحي القيوم بديع السموات والارض من جميع ظلمي وجرمي واسرافي على نفسي واتوب اليه .
العامل السابع:ولاية اولياء الله والبراءة من اعدائهم ،واهل البيت عليهم السلام افضل مصداق لاولياء الله تعالى في الارض والعالم .لذا يجب معرفتهم ومولاتهم والباراءة من اعدائهم
إلَيهِم.. وإلاّ لا تُشَـدُّ الرَّکائـب ُومِنهُم.. وإلاّ لا تَصِحُّ المواهبُ
وفِيهم.. وإلاّ فالحديثُ مُزَخرَفٌوعَنهُم.. وإلاّ فالمُحدِّثُ کـاذبُ