بسم الله الرحمن الرحیم
الخطبة الاولی:صدق النیة(القسم الثانی)
اَللّهُمَّ ارْزُقْنا تَوْفیقَ الطّاعَةِ وَبُعْدَ الْمَعْصِیَةِ وَصِدْقَ النِّیَّةِ وَعِرْفانَ الْحُرْمَةِ وَاَکْرِمْنا بِالْهُدى وَالاِسْتِقامَةِ
الموضوع: النية ودورها في قبول الأعمال
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمک وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبرکاتهالسلام عليکم ورحمة الله وبرکة
محمد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن ابن محبوب عن مالک بن عطية عن ابي حمزة عن علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) قال: (لا عمل إلا بنية)
إن لافعال الانسان الظاهرية- عبادية کانت مثل الصلاة والصوم أو غيرها مثل صلة الرحم والانفاق – باطن، وباطنها هو النية، وعلى هذا الباطن الذي هو النية يحشر الانسان يوم القيامة وقد روي ان نية المرء خير من عمله.
والنية هي عبارة عن الداعي والباعث والمحرک الذي يشعر به الانسان المؤثر في ارادة الفعل فالفعل هو عمل جوارحي مسبوق بنية وداعي
ثم ان النية قد تکون صالحة وقد تکون طالحة وتبعا ً لذلک يتعين محتوى العمل .
وقد تسأل : ما هو منشأ صلاح النية وعدمه؟
والجواب : ان المنشأ هو الاخلاص لله تعالى فمع عدم الاخلاص لانية صالحة ولا قيمة للعمل، ولکي يکون الانسان مخلصاً بل مخاصاًلابد له من المعرفة والعلم وإلا فلا يمکن للانسان ان يعمل عملاً صالحاً خالصاً لوجه الله تعالى بلا معرفة وتوحيد .
هذا وإذا رجعنا إلى کلمات اهل بيت العصمة والطهارة فإنا نجد ان الاعمال بالنيات وإنما لکل امرىءٍ ما نوى فمن کانت هجرته إلى الله ورسوله وابتغاء ما عنده تعالى فهجرته إلى الله ورسوله، ومن کانت هجرته إلى امر دنيوي يصيبه او امرأه ينکحها فهجرته الى ما هاجر اليه ولم يکن له إلا ما نوى.
ومن هنا قيل ان النية هي روح العمل، وهي اصل حاکم، عن الامام الصادق (عليه السلام): ((ما ضعف بدن عما قويت عليه النية)).
وفي دعاء کميل: قوي على خدمتک جوارحي واشداد على العزيمة جوانحي.
(قصد القربة)
المراد من النية التي نتحدث عنها هي قصد القربة(4)إلى الله تعالى والاخلاص فيها التي بدونها يحکم ببطلان العمل العبادي .
والنية بهذا المعنى کما تقدم هي روح العمل ولبه حيث بها يحيا وبدونها يموت ولا أثر للميت، فبها تصح العبادة وبدونها تبطل
اذن نية القربة معناها الاتيان بالفعل من اجل الله سبحانه وتعالى، سواء کانت هذه النية بسبب الخوف من عقاب الله تعالى أو رغبه في ثوابه، أو حباً له وايمانا بانه اهل لان يطاع فإن العبادة تقع صحيحة ما دام قد اقترنت بنية القربة .
ولا يخفى ان الميزان عند الله تعالى ليس کثرة العمل بل حسنه واداؤه بالنحو الذي يريده الشارع المقدس فکيفيه العمل افضل من کميته.
عن الامام الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى ((ليبلوکم ايکم احسن عملا)) قال (عليه السلام) ((ليس يعني اکثرکم عملاً ولکن اصوبکم عملاً وانما الاصابة خشية الله والنية الصادقة والحسنة.
ثم قال (عليه السلام) : الابقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل
والعمل الخالص : الذي لا تريد ان يحمدک عليه احد إلا الله عز وجل والنية افضل من العمل ثم تلا قوله عز وجل ((قل کل يعمل على شاکلته)) يعني على نيته)).
ويتضح من هذه الرواية - مضافاً إلى ان الميزان هو کيفية العمل – ان الابقاء على العمل الذي أُتي به باخلاص اشد واصعب من نفس العمل فالحذر من العجب، کما ان الرواية تُعَرَّف لنا العمل الخالص وانه ما يکون لله تعالى لا ما يکون لاجل مدح المخلوق.
ومن المعلوم انه لکي تتحقق النية الخالصة لله تعالى علينا ان نبتعد عن کل ما يمنع من الاخلاص مثل حب الشهره والجاه و((الأنا)) التي اسقطت ابليس عن مقامه وقد کان قبل ذلک عابداً ولکن ب ((أنا)) واحدة هدمت اعماله
وفي المقابل علينا ان نرکز في انفسنا ما يقوي النية ويجعلها خالصة والامر المهم النافع في ذلک هو تقوية الايمان بالله تعالى وبالاخرة وتذکر الموت وما بعده .....
ولا نغفل عن قدوتنا ومولانا امير المؤمنين (عليه السلام) فمن الاخلاص العالي له (عليه السلام) ما روي من انه لما ادرک عمرو بن عبدود لم يضربه، فوقعوا في علي فرّد عنه حذيفة .
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : مه ياحذيفة فإن علياً سيذکر سبب وقفته ثم انه ضربه فلما جاء سأله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلک فقال : قد کان شتم امي، وتفل في وجهي، فخشيت ان اضربه لحظّ نفسي فترکته حتى سکن ما بي ثم قتلته في الله
وايضاً لا نغفل عن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ان ضربة علي يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين.
نعم انها منربة وظاهرها کأي ضربة اخرى تصدر من شخص ولکن بما ان المدار على باطن العمل ونيته وحقيقتة فهذه الضربة تساوي عبادة الثقلين، ان الاجر بترتب على ابتغاء مرضات الله تعالى من العمل قال تعالى ((ويطعمون الطعام على حبه مسکينا ويتيما واسيرا انما نطعمکم لوجه الله لا نريد منکم جزاءا ولا شکورا)).
وقال عز وجل ((لا خير في کثير من نجواهم إلا من امر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس ومن يفعل ذلک ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه اجراً عظيماً)).
اذن الکمال والترقي لا يحصل من خلال الشکل الجميل والهندام المرتب ونحو ذلک بل من خلال النية الصالحة وابتغاء مرضات الله عز وجل فالعمل ليس المنظور فيه الکم أو الصورة والظاهر وانما النية والباطن.
(آثار نية القربة)
نحن نعلم ان العبادة يشترط في صحتها نية القربة وان حسن النية بالطاعة يکون من خلال الوجه الذي أُمر به والا کانت العباده باطلة وکذلک نعلم ان التلفظ ليس شرطاً في نية القربة فإن النية هي القصد وهو شيء موجود في افق النفس ولا يجب ان يتلفظ به اللسان .
ولکن قد تسأل : ما هي الاثار الاخرى للنية بحسب ما ورد في الروايات؟
والجواب: ورد في الروايات آثار متعددة.
منها :ان لله يحشر الناس على نياتهم يوم القيامة وان العبد المؤمن الفقير ليقول يارب ارزقني حتى افعل کذا وکذا من البر ووجوه الخير فإذا علم الله ذلک منه بصدق نية کتب الله له من الاجر مثل ما يکتب له لو عمله ان الله واسع کريم.
ومنها : ان من حسنت نيته زاد الله تعالى في رزقه وان من صدق لسانه زکا عمله وان من حسن بره باهله زاد الله في عمره .
ومنها : ان العبد اذا هم بالسيئة لم تکتب عليه فإن عملها کتبت عليه سيئة اما من هم بحسنة ولم يعلمها کتبت له حسنة وإن هو علمها کتبت له عشرة.
اذن الله عز وجل عدل کريم ليس الجور من شأنه فهو يثيب على نيات الخير اهلها واضمارهم عليها ولا يؤاخذ اهل الفسوق حتى يفعلوا .
ومنها : ما روي من ان : نية المؤمن خير من عمله .
وقد تسأل : کيف تکون النية خيراً من العمل ؟
وفي مقام الجواب : هناک اکثر من وجه منها:
1 ـ لان العمل ربما يکون رياء للمخلوقين والنية خالصة لرب العالمين فيعطي عز وجل على النية مالا يعطي على العمل.
2 ـ لانه ينوي من الخير ما لا يدرکه ونية الکافر شرمن عمله وذلک لان الکافر ينوي الشر ويأمل من الشر مالا يدرکه
ومنها :ما روي عن الصادق (عليه السلام)((ان العبد لينوي في نهاره ان يصلي بالليل فينام فتغلبه عينه فيثبت الله له صلاته ويکتب نفسه تسبيحاً ويجعل نومه عليه صدقة))
(لکل شيء نية)
قد تسأل : هل النية تتعلق بکل امر يقوم به الانسان ؟
والجواب :جاء في وصية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لابي ذر ((ليکن لک في کل شيء نية حتى في النوم والاکل))
انه توجد في الشريعة امور تسمى بالعبادات واخرى بالتوصطيات والفرق بينهما ان العبادات – سواء کانت من الواجبات ام من المستحبات – يشترط الايتان بها بنية القربة وإلا لا تقع صحيحة ومن امثلة العبادات الصلاة والصيام .
اما التوصليات فهي التي أمر بها الله تعالى ولم يشترط ايتائها بنية القربة وسميت بالتوصليات اي ان المقصود بها شرعاً مجرد التوصل إلى فوائدها بدون اشتراط نية مخصوصة مثل تطهير البدن والملابس من النجاسة والانفاق على الزوجه والاقارب .
نعم اذا اتى المکلف بالواجب التوصلي کالانفاق على الزوجة بنية القربة دفع عن نفسه العقاب وايضاً استحق بلطف الله تعالى الاجر والثواب واذا اتى به بدافع من الدوافع الخاصة – کحبه لزوجته – على نحو لم يکن ليقوم بذلک لولا الدوافع الخاصة دفع عن نفسه العقاب ولکن لا يستحق الاجر والثواب .
وکذلک اذا احسن الغني بالمال في سبيل من سبل الخير فإنه ان نوى بذلک القربة إلى الله تعالى استحق بلطف الله الثواب وسمي احسانه بالصدقة وإن لم ينو القربة لم يستحق ذلک
ولا يخفى ان العبادات وإن کانت مقصورة على امور معينة کالصلاة والصيام ونحوهما ولکن بإمکان الانسان شرعاً ان يحول اعماله ومساعيه الصالحة في مختلف جوانب حياته إلى عبادة إذا اتى بها على وجه يرضي الله سبحانه وتعالى ومن اجله فمن عمل في وجه من وجوه الکسب المباح من اجل القيام بما يجب عليه أو يستحب له من الانفاق على عائلته کان عمله عبادة وهکذ.
(الرياء)
تقدم ان نية القربة هي الاتيان بالفعل من اجل الله وهي شرط في العبادات واجبة کانت او مستحبة ومن هنا يُعلم ان الرياء مبطل للعبادة بل ومحرم ويعتبر الفاعل آثماً.
وقد تسأل : وما هو الرياء؟
والجواب : هو الاتيان بالفعل من اجل کسب ثناء الناس والمجابهم أو من اجلهم ومن اجل الله معاً وقد سمي الرياء في بعض الاحاديث بالشرک.
روى الشيخ الصدوق (رضي الله عنه) عن مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمد عن ابيه عن ابائه (عليهم السلام) ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سُئل فيم النجاة غداً ؟
فقال : إنما النجاة في ان لا تخادعوا الله فيخدعکم، فإنه من يخادع الله يخدعه، ويخلع منه الايمان ونفسه يخدع لو يشعر.
قيل له : فکيف يخادع الله ؟
قال : يعمل بما امره الله ثم يريد به غيره، فاتقوا الله في الرياء، فإنه الشرک بالله ان المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة اسماء: ياکافر، يافاجر،ياغادر، ياخاسر حبط عملک، وبطل اجرک، فلا خلاص لک اليوم، فالتمس اجرک ممن کنت تعمل له.
اذن يجب ان تصدر العبادة من المؤمن امتثالاً لامر الله وتقرباً اليه فما کان لله تعلى فهو لله واما ما کان للناس فلا يصعد إلى الله سبحانه، ومن عمل لغير اللة وکله إلى من عمل له، ومن اراد الناس بالکثير من عمله في تعب من بدنه وسهر من ليله ابى الله إلا ان يقلله في عين من سمعه .
ومن عمل للناس کان ثوابه على الناس
روي في الحديث الصحيح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يؤمر برجال إلى النار – إلى ان قال – فيقول لهم خازن النار: يااشقياء ما کان حالکم ؟
قالوا : کنا نعمل لغير الله، فقيل لنا : خذوا ثوابکم ممن عملتم له
وعن الامام الصادق (عليه السلام) يجاء بعبد يوم القيامة قد صلى فيقول : يارب قد صليت ابتغاء وجهک، فيقال له : بل صليت ليقال : ما أحسن صلاة فلان ! اذهبوا به إلى النار .........
وروي ان رجلاً قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يارسول الله إنا نعطي اموالنا التماس الذکر فهل لنا من اجر ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا .........
ذکر الشيخ عباس القمي (رحمه الله)
عن بعض العلماء : لا يظنن بعض الجهلة ان شرط الاخلاص في عزاء سيد الشهداء الامام الحسين –سلام الله عليه – امراً جائزاً أو يظنن ان ما ورد من الحث على التباکي ان لم يتيسريعني البکاء رياءاً ويعدون الاستثناء المفترض هذا من فضائله الخاصة –عليه افضل الصلاة والسلام – ويعتبرون کل بکاء على سيد الشهداء عليه السلام عبادة، عليهم ان يعلموا ان الرياء في العبادة کالقياس في الادلة .
وکالربا في المعاملات امر غير جائز، وکيف يحتمل ذو شعور ان الحسين – صلوات الله عليه يرضى ان يکون سبباً لجواز المعاصي واکبر الموبقات اي : الرياء يعد الشرک الاصغر في حين انه – سلام الله عليه – تحمل کل المصائب من اجل تثبيت اساس التوحيد لذات الله المقدسة واعلاء کلمة الحق في إتقان مباني الدين المبين وحفظه من بدع الملحدين ما يظنه ويدعيه هؤلاء الخيلة ((إن هذا إلا اختلاق)).
اذن علينا مراقبة اقوالنا واعمالنا وتهذيب نفوسنا وتذکيرها بايآت الله تعالى وکلمات المعصومين لئلا نکون مصاديق لامور تُفّوِّت علينا ثواب الاعمال بل قد تدخلنا في الحرام، لا يصدق علينا مثلاً، کم من قارىء للقران والقران يلعنه.
او کم من شخص يطوف حول البيت والشيطان يطوف في داخله.
او کم من صائم ليس له من صيامه الا الظمأ.
او کم من قائم ليس له من قيامه إلا العناء والسهر.
ولنلتفت انه کما ورد في الروايات لاعمل إلابنية کذلک ورد عن الامام السجاد (عليه السلام) ((... لا عبادة إلا بتفقه ...)) لعل الانسَان يصلي ويصوم ويتعبد ويجري المعاملات ولکن اذا سألته هل ما أديته من عباده او معاملة کان صحيحاً شرعاً ؟ هل کان العمل تام الاجزاء والشرائط ؟ يکون الجواب : لا أدري او يجيب قائلاً : اعتقد ذلک من دون ان يکون متأکداً انه أتى بالعمل بحدوده ،وهذه مشکلة کبيرة يترتب عليها آثار خطيرة، وليس للانسان بحکم العقل ان يقول ذمتي بريئة وغير مشتغلة بشيىء ما دام لم يسلک طريقاً معتبراً يُؤَمِن له براءة الذمة، اذن ليطلب الانسان التفقه والعلم دائماً فمنهومان يشبعان احدهما طالب علم فهو يرى ان راحته في طلب العلم.
واخيراً روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ((من تقرب إلى الله شبراً تقرب اليه ذراعاً، ومن تقرب إلى الله ذراعاً تقرب اليه باعاً، ومن اقبل إلى الله ماشياً اقبل الله اليه مهرولاً))
ان من يفعل الشيء القليل من البر والخير قربة إلى الله تعالى يعوضه الله الشيء الکثير من الاجر وکما قيل قد يطوي الانسان من خلال عمل واحد صغير مسافة الالف سنة بخطوة واحدة.