الموضوع:شرح فقرة: "طهر بطوننا من الحرام والشبهة
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا تَوْفِيقَ الطَّاعَةِ وَ بُعْدَ الْمَعْصِيَةِ وَ صِدْقَ النِّيَّةِ وَ عِرْفَانَ الْحُرْمَةِ وَ أَکْرِمْنَا بِالهُدَى وَ الاسْتِقَامَةِ وَ سَدِّدْ أَلْسِنَتَنَا بِالصَّوَابِ وَ الْحِکْمَةِ وَ امْلَأْ قُلُوبَنَا بِالْعِلْمِ وَ الْمَعْرِفَةِ وَ طَهِّرْ بُطُونَنَا مِنَ الْحَرَامِ وَ الشُّبْهَةِ
نتابع حديثنا عن أدعية الامام المهدي (عليه السلام)، ومنها الدعاء الذي ورد فيه: (طهر بطوننا من الحرام والشبهة، ... )
ان الله سبحانه و تعالی حث الانسان ان ینظر الی طعامه فقال: فلینظر الانسان الی طعامه فیجب علی الانسان ان ینظر الی طعامه امن حلال ام من حرام وان کان الطعام ینقسم الی ثلاثه
القسم الاول: طعام الجسم و الجسد التی نحن بصدد بیانه حتی فی قضیة نبی الله موسی علیه السلام الایة تشیر( وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ)فی الروایة عن الامام الباقر علیه السلام( لَا تَسْتَرْضِعُوا الْحَمْقَاءَ فَإِنَّ اللَّبَنَ يُعْدِي)
القسم الثانی: طعام الروح –الروح یحتاج الی طعام و لیس الغناء بل التهلیل و التحمید و العبادة
القسم الثالث: طعام الفکر –ان نملی افکارنا علی الکتاب و السنة
اجر المتورع عن الحرام:
قـالَ الامام الحسن العسکری عـليـه السـلام: اَوْرَعُ النّاسَ مَنْ وَقَفَ عِنْدَ الشُّبْهَةِ واَزْهَدْ النّاسِ مِنْ تَرَکَ الْحَرامَ،
عن الامام الصادق علیه السلام :: «تَرْکُ لُقْمَهِ الْحَرَامِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ صَلَاهِ أَلْفَیْ رَکْعَهٍ تَطَوُّعاً.»
وقال صلى الله عليه وآله : رَدُّ دَانَقٍ حَرَامٍ یَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ سَبْعِینَ حِجَّهً مَبْرُورَهً.
تأثير أکل الحرام:
قبل الکلام في تأثير أکل المال الحرام على الروح والنفس، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ أکل الحرام يشمل کلّ طعام حرّم الله تعالى علينا أن ندخله إلى بطوننا، فتارة يکون بنفسه محرّماً کالميتة والخنزير والشراب المسکر کالخمر وغيره،
إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْکُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ
وأخرى لعروض أمر على ما هو حلال بأصله لکن بسبب اتّصافه بوصف ما کالمتنجس قبل تطهيره، أو تحصيله بطريقة غير شرعيّة حيث يتّصف بکونه مغصوباً، ليصدق عليه عنوان أکل مال النّاس بغير حقّ. وله مصادیق کثیرة
وأمّا عن تأثيره في الإنسان فقد جاء عن الإمام عليّ عليه السلام: "بئس الطعام الحرام"
فمن آثار أکل الحرام:
1.مرض القلوب وقسوتها:
ومنه نستفيد أنّ أسوأ ما يمکن أن يأکله الإنسان هو الحرام من الطعام، ويمکن لنا القول: إنّه کما يؤثّر في الجسد أکل الطعام الفاسد فيؤدّي إلى التسمّم وأعراضه من ارتفاع الحرارة والغثيان، کذلک أکل الحرام يؤثّر في النّفس والروح والقلب فيؤدّي إلى مرض القلب وتراکم الرّين عليه بما يضعف بصيرته لکونه مصداقاً لقوله تعالى: ﴿کَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا کَانُوا يَکْسِبُونَ﴾.
وقد يؤدّي إلى قساوة القلب فلا يعود الإنسان صاحب القلب القاسي يتأثّر بالموعظة والهداية ويفقد صفة الرحمة خصوصاً مع إدمان أکل الحرام.
اکل الحرام يقسي القلب ويحيطه بالظلمةوبعدها لايعود قادرا على تقبل الحق ولايتاثر باي تحذير او وعظ ولا يتجنب ارتکاب ايجناية، وکما قال سيد الشهداء عليه السلام ضمن خطبته لجيش ابن سعد:
«َ مُلِئَتْ بُطُونُکُمْ مِنَ الْحَرامِ، فَطَبَعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِکُمْ، وَيْلُکُمْ أَلا تَنْصِتُونَ، أَلا تَسْمَعُونَ».
2.إصابة الذرّيّة:
بل إنّ مؤثّريّة أکل المال الحرام لا تقتصر على الشخص الآکل للحرام بل تمتدّ لتصيب الذرّيّة، فعن الإمام الصادق عليه السلام: " کَسْبُ الْحَرَامِ یَبِینُ فِی الذُّرِّیَّةِ ".
أکل الحرام أکل للنّار:
ولأکل مال الحرام صورة ملکوتيّة أو على الأقلّ برزخيّة إذ إنّ الإنسان الذي يأکل المال الحرام في نفس الوقت وفي الواقع يأکل ناراً إلّا أنّه لا يشعر بها نتيجة انغماسه في الدّنيا ولذائذها وغفلته عن الآخرة وحقائقه،
فعن أبي عبد الله عليه السلام: " مَنْ أَکَلَ مَالَ أَخِيهِ ظُلْماً وَ لَمْ يَرُدَّهُ إِلَيْهِ، أَکَلَ جَذْوَةً مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
عن النبی صليالله عليه و آله و سلم «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْجَنَّةَ أَنْ یَدْخُلَهَا جَسَدٌ غُذِّیَ بِحَرَامٍ»
وقال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْکُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْکُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾
4. لا برکة فيه ولا أجر على إنفاقه:
إنّ من آثار الطعام إنبات اللحم وتقوية الجسم وغير ذلک فعندما يکون ذلک على الحرام فمعنى ذلک أنّ لإبليس وجنوده حصّة في أجسادنا وممرّاً إلى نفوسن، وهذا يؤدّي إلى سطوته علينا وسهولة استدراجه لنا إلى حبائله ومکائده فسيدرجنا من حرام إلى حرام، وهذا معنى کونه غير مبارک، قال أبو الحسن عليه السلام لأحد أصحابه
" یَا دَاوُدُ إِنَ الْحَرَامَ لَا یَنْمِی وَ إِنْ نَمَی لَمْ یُبَارَک لَهُ فِیهِ وَ مَا أَنْفَقَهُ لَمْ یُؤْجَرْ عَلَیْهِ وَ مَا خَلَّفَهُ کانَ زَادَهُ إِلَی النَّار"
فضلاً عن کونه ما دام في جسده ومعه وعنده موجباً للعن الله والملائکة ککلّ مغصوب.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال «إِذَا وَقَعَتِ اللُّقْمَةُ مِنْ حَرَامٍ فِی جَوْفِ الْعَبْدِ لَعَنَهُ کُلُّ مَلَکٍ فِی السَّمَاوَاتِ وَ فِی الْأَرْضِ»"
وقال (صلى الله عليه وآله): "إن الله ملکا ينادى على بيت المقدس کل ليلة: من أکل حراما ما لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، والصرف النافلة والعدل الفريضة"
وقال أمير المؤمنين(عليه السلام ) مخاطبا کميل :
" يا کميل انظر فيم تصلي، وعلى ما تصلي، إن لم تکن من وجهه وحله فلا قبول.
يا کميل إن اللسان يبوح من القلب، والقلب يقوم بالغذاء، فانظر فيما تغذي قلبک وجسمک،
فإن لم يکن ذلک حلالا لم يقبل الله تعالى تسبيحک ولا شکرک "
عن النبی صليالله عليه و آله و سلم: «مَنِ اکْتَسَبَ مَالًا حَرَاماً؛ لَمْ یَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ صَدَقَةً وَ لَا عِتْقاً وَ لَا حَجّاً وَ لَا اعْتِمَاراً؛ وَ کَتَبَ اللَّهُ بِعَدَدِ أَجْزَاءِ ذَلِکَ أَوْزَاراً؛ وَ مَا بَقِیَ مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ کَانَ زَادَهُ إِلَى النَّارِ»
5- يسلب البرکة من المال وروي عن الامام الصادق عليه السلام "من کسب مالا من غير حلة سلط عليه البناء والطين والماء" حتى يتلف ماله اي يعيش دائما هم البناء فيصرف عمره وماله ولاينفعه هذا في الدنيا ولا في الاخرة وکان هذه القطعة من الارض اصبحت مأمورة بابتلاع ماله.
6- آکل الحرام لايستجاب دعائه، يقول رسول الله صلى الله عليه وآله "من اکل لقمة حرام لم تقبل له صلاة اربعين ليلة، ولم تستجب له دعوة اربعين صباحاً، وکل لحم ينبته الحرام فالنار اولى به، وان اللقمة الواحدة تنبت اللحم" قال تعالى لعيسى ابن مريم عليه السلام" قل لظلمة بني اسرائيل لاتدعوني والسحت تحت اقدامکم "
وَ فِی الْحَدِیثِ الْقُدْسِیِ: فَمِنْکَ الدُّعَاءُ وَ عَلَیَّ الْإِجَابَهُ فَلَا تَحْتَجِبُ عَنِّی دَعْوَهٌ إِلَّا دَعْوَهَ آکِلِ الْحَرَامِ.
َ عن النبی صليالله عليه و آله و سلم: مَنْ أَحَبَّ أَنْ یُسْتَجَابَ دُعَاؤُهُ فَلْیُطَیِّبْ مَطْعَمَهُ وَ کَسْبَهُ.
وَ قَالَ عليه السلام: لِمَنْ قَالَ لَهُ أُحِبُّ أَنْ یُسْتَجَابَ دُعَائِی قَالَ لَهُ طَهِّرْ مَأْکَلَکَ وَ لَا تُدْخِلْ بَطْنَکَ الْحَرَامَ.
وَ رَوَى عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام مَنْ سَرَّهُ أَنْ یُسْتَجَابَ دُعَاؤُهُ فَلْیُطَیِّبْ مَکْسَبَهُ.
خاتمة:
قال الله تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورً﴾ هذه الآية آتية لتؤکّد ما قلناه من أنّ الإنسان الذي يجمع ماله من حرام ولو فعل أفعال البرّ فحجّ وزار وصام وصلّى وتصدّق فإنّ عمله سيکون هباءً منثوراً لن يجده شيئ، والأسوأ من ذلک أنّه قد يکون أطعم من ماله وسقى وأسکن وألبس منه وأنفقه على زوجته وأبنائه، فعندما ينکشف لهم يوم القيامة أنّ مسکنهم کان من حرام ومأکلهم من حرام ومشربهم من حرام وملبسهم من حرام سيصبحون ألدّ أعداء هذا الرجل وسيکونون ناقمين عليه وسيکونون من الشاکين منه وعليه، ويطلبون من الله أن يزيد في عذابه، والأشدّ من ذلک أن يرث ماله من يحسن إلى أهل الفاقة وينفقه في وجوه الطاعة والبرّ ،فيدخل الجاني للمال النّار بسببه، ويدخل الوارث الجنّة بسبب إنفاقه في البرّ والإحسان ويا لها حينها من حسرة.
عَنِ الْبَاقِرِ [علیه السلام] عَنْ أَبِیهِ [علیه السلام] عَنْ جَدِّهِ [علیه السلام] عَنْ عَلِیٍّ [علیه السلام] قَالَ شَکَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ [صلی الله علیه و آله] دَیْناً کَانَ عَلَیَّ فَقَالَ: یَا عَلِیُّ قُلْ اللَّهُمَّ أَغْنِنِی بِحَلَالِکَ عَنْ حَرَامِکَ وَ بِفَضْلِکَ عَمَّنْ سِوَاکَ فَلَوْ کَانَ مِثْلُ صَبِیرٍ دَیْناً قَضَى اللَّهُ عَنْکَ وَ صَبِیرٌ جَبَلٌ بِالْیَمَنِ لَیْسَ بِالْیَمَنِ جَبَلٌ أَجَلَّ وَ لَا أَعْظَمَ مِنْهُ