شرح فقرة « وَ اسْدُدْ اَسْماعَنا عَنِ اللَّغْوِ وَ الْغیبَةِ»
«اَللّهُمَّ ارْزُقْنا تَوْفیقَ الطّاعَةِ وَبُعْدَ الْمَعْصِیَةِ وَصِدْقَ النِّیَّةِ وَعِرْفانَ الْحُرْمَةِ وَاَکْرِمْنا بِالْهُدى وَالاِسْتِقامَةِ وَسَدِّدْ اَلْسِنَتَنا بِالصَّوابِ وَالْحِکْمَةِ وَامْلاَ قُلُوبَنا بِالْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَطَهِّرْ بُطُونَنا مِنَ الْحَرامِ وَالشُّبْهَةِ وَاکْفُفْ اَیْدِیَنا عَنِ الظُّلْمِ وَالسَّرِقَةِ وَ اغْضُضْ اَبْصارَنا عَنِ الْفُجُورِ وَ الْخِیانَةِ وَ اسْدُدْ اَسْماعَنا عَنِ اللَّغْوِ وَ الْغیبَةِ
نتابع حدیثنا فی شرح دعاء الامام المهدی (عجل الله تعالی فرجه) و نصل الی هذه الفقرة « التحذیر من استماع الغیبة»
یرید منا الامام ان نسد هذا السمع عن هذه الخصلة و هي الغيبة
ما هي الغيبة؟
المستفاد من الروايات أن الغيبة هي: "ذکر الإنسان حال غيبته بما يکره نسبته إليه مما يعد نقصاناً في العرف، بقصد الإنتقاص والذم".
ففي رواية عن أبي ذر رضوان الله تعالى عليه: "قلت: يا رسول الله ما الغيبة؟ قال: ذِکرک أخاک بما هو فيه فقد اغتبته، وإذا ذکرته بما ليس فيه فقد بهته". ورد في الحديث النبوي الشريف: "هل تدرون ما الغيبة؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذِکرک أخاک بما يکره..." والمقصود من الأخ هو الأخ في الإيمان لا النسب، و"ما يکره" تعبير عن کل ما فيه نقص عرفاً.
وما ذُکر في التعريف "بقصد الإنتقاص والذم" مستفاد من مضمون الرواية وإن لم تذکر ذلک بشکل صريح، ففي بداية رواية أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وآله: "والغيبة لا تغفر حتى يغفرها صاحبها، ثم قال: ... وأکل لحمه من معاصي الله" فلا يسمى أنه أکل لحمه إلا إن قصد الإنتقاص، أما لو قصد الشفقة مثلاً فليست هي أکل للحمه ولا يحتاج إلى طلب المغفرة وهي بالتالي ليست غيبة. ولکن ينبغي الإلتفات إلى أن إشاعة الفاحشة محرمة حتى وإن لم تکن غيبة.
وليس شرطاً أن تکون الغيبة باللسان، فيمکن أن تشمل ذکر عيبه من خلال الکتابة أو الإشارة أو غيرها من وسائل التعبير، ما دام ذاکراً للعيوب قاصداً للإنتقاص، وهو واضح في رواية عائشة قالت: "دخلت علينا امرأة فلما ولّت أومأتُ بيدي أنها قصيرة، فقال "صلى الله عليه وآله اغتبتيها"
ذم الغیبة فی القرآن:
الصورة البشعة التي أشار إليها سبحانه وتعالى في قوله: ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُکُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُکُمْ أَن يَأْکُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَکَرِهْتُمُوهُ﴾(الحجرات:12).
خطورة الغيبة
الروايات في خطور الغيبة أکثر من مجال هذه الخطبة، وسنقتصر على ذکر بعضها:
- الخروج من ولاية الله:
عن الإمام الصادق(عليه السلام): «مَن رَوى عَلى مُؤمُن رَوايَةً يُريدُ بِها شَينَهُ وَهَدْمَ مُرُوَّتِهِ لِيَسْقُطَ مِنْ أَعيُنِ النّاسِ، وَأَخْرَجَهُ اللهُ مِنْ وِلايَتِهِ إِلى وِلايَةِ الشَّيطـانِ فَلا يَقْبَلُهُ الشَّيطَـانُ»
ومن الواضح أنّ المصداق البارز للرواية أعلاه هوالشخص المغتاب الذي يهدف من الغيبة إظهار عيوب المؤمنين المستورة ويعمل على هدم شخصيتهم الاجتماعية واسقاطهم بين الناس، فعذاب مثل هؤلاء الأشخاص عظيم إلى درجة أنّ الشيطان نفسه يستوحش من قبول ولاية هؤلاء ويتبرأ من رفقته وصحبته.
-فضحه في الدنيا: إن بعض مراتب الغيبة يدفع بصاحبها على الفضيحة في هذا العالم أيضاً، نقرأ في حديث شريف أنّ النبي الأکرم(صلى الله عليه وآله) خطب يوماً في المسلمين ونادى بصوت رفيع بحيث سمعته النساء في بيوتهنّ وقال: «يـا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسـانِهِ وَلَم يُؤمِنْ بِقَلبِهِ لا تَغتـابُوا المُسلِمِينَ وِلا تَتَبِّعُوا عَوراتَهُم فَإِنَّ مَنْ تَتَبَّعَ عَورةَ أَخِيهِ يَتَتَبَّعُ اللهُ عَورَتَهُ حَتّى يَفْضَحَهُ فِي جَوفِ بَيتِهِ»
- فضحه في البرزخ: فقد روي أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله في بيان حال المغتاب في البرزخ الرواية التالية: "مررت ليلة أسري بي على قومٍ يخمشون وجوههم بأظافيرهم، فقلت: يا جبرئيل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يغتابون الناس ويقعون في أعراضهم".
- فضحه في الآخرة : عن النبي الأکرم(صلى الله عليه وآله) نجد تعبيراً مذهلاً عن مخاطرة الغيبة حيث قال:
«مَن مَشى فِي غَيبَةِ أَخِيهِ وَکَشفِ عَورَتِهِ کـانَ أَوَّلَ خُطوَة خَطاهـا وَضَعَها فِي جَهَنّمَ»
وعنه صلى الله عليه وآله: "من اغتاب امرءً مسلماً... وجاء يوم القيامة يفوح من فيه رائحة انتن من الجيفة يتأذى به أهل الموقف"
- إحباط أعماله ومحو حسناته: روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: "ما النار في اليبس بأسرع من الغيبة في حسنات العبد".
وعنه صلى الله عليه وآله: "يؤتى بأحدٍ يوم القيامة يُوقف بين يدي الرب عز وجل ويدفع إليه کتابه فلا يرى حسناته فيه، فيقول: إلهي ليس هذا کتابي "فإني" لا أرى فيه حسناتي. فيقال له: إن ربک لا يضل ولا ينسى، ذهب عملک باغتياب الناس. ثم يؤتي بآخر ويدفع إليه کتابه، فيرى فيه طاعات کثيرة، فيقول: إلهي ما هذا کتابي فإني ما عملت هذه الطاعات. فيقال له: إن فلاناً اغتابک فدفع حسناته إليک".
الاستماع للغيبة حرام
کما أن الإستغابة حرام فکذلک الإستماع للغيبة حرام، وهو من الکبائر أيضاً، ويظهر من بعض الروايات أن حکم الإستماع کحکم الإستغابة حتى في مثل التسامح من المغتاب.
فعن علي عليه السلام: "السامع أحد المغتابَين".
رد الغیبة:
بل يظهر من الروايات وجوب رد الغيبة، وهو غير النهي عن الغيبة، والمقصود منه الإنتصار للغائب بما يناسب. ففي وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام:
"يا علي من اغتيب عنده أخوه المسلم فاستطاع نصره فلم ينصره خذله الله في الدنيا والآخرة"
من رد عن عرض اخيه بالغيب کان حق على الله ان يرد عرضه يوم القيامة...
وهناک موارد تجوز الغيبة فيها فقد ذکر العلماء منها :
غيبة الظالم والاست
عانة على رفع المنکر ورد المعاصي الى الاصلاح ومنها نصح المستشير في التزويج وايداع الامانة وکذلک جرح الشاهد والمفتي والقاضي اذا سئل عنهم فله ان يذکر ما يعرفه عن عدم العدالة والاهلية للافتاء والقضاء .
وقد ذکر رسول الله صلی الله عليه واله:اترعوون عن ذکر الفاجر حتى لا يعرفه الناس؟اذکروه بما فيه حذر للناس...ومنها رد من ادعى نسبا ليس له القدح في مقالة او دعوى باطلة في الدين ومنها کون المقول فيه مستحقا للاستخفاف لتظاهره وتجاهره بالفسق کالظلم والزنا وشرب الخمر وغير ذلک بشرط عدم التعدي عم يتظاهر به...ومنها ضرورة التعريف فانه اذا کان احد معروفا بلقب يعبر عن عيبه .
کفارة الغیبة :الحلیة و التوبه و الاستغفار
عن الامام الصادق عليه السلام:وان اغتبت فبلغ المغتاب فاستحل منه فان لم تبلغه لم تلحقه فاستغفر الله...
اهل البيت سلام الله عليهم يريدون ان يعلمون ان لا نغتاب فقد طلبوا منا ان نستسمح من المغتاب ولکن ان لم تلحقه فقد اعطنا الجواب وهو الاستغفار له ويدخل في هذا اللحق دفع الضرر عن النفس فان کان في بلوغ الغيبة اليه مظنة وعدواة وفتنة فالافضل ان لا يبلغه ماذا قال عنه لان الفتنة اشد من القتل فليعمل مثلما قال لنا معلمنا وقائدنا رسول الله صلی الله عليه واله:کفارة من اغتبته ان تستغفر له..محمول على صورة عدم امکان الوصول اليه او امکانه مع ايجاب الاعلام والاستحلال لاثارة الفتنة والعدواة...